الجاليات السودانية… جسر العبور نحو السودان الجديد

د/اميرة كمال مصطفى

 

الجاليات السودانية ليس تجمعات للمغتربين في المنافي فقط .بل كانت على الدوام امتداداً حيّاً لنبض الوطن في الخارج، تنقل همومه وتُبقي جذوة الانتماء مشتعلة في القلوب. واليوم بعد أن أنهكت الحرب جسد السودان وجرّدت ترابه من زينته تعود الأنظار لتتجه نحو هؤلاء الذين يعيشون خارج الحدود، لا كمتفرجين، بل كقوة وطنية قادرة على قيادة مرحلة الإعمار والبناء.

إنّ تجارب الشعوب الخارجة من الحرب تُظهر بوضوح أنّ الجاليات كانت دائماً العمود الفقري لنهضة أوطانها. فقد أعادت الجاليات اللبنانية إعمار بيروت، وساهمت الجاليات الصومالية في دعم الداخل حين انهارت المؤسسات، وموّلت الجاليات الفلسطينية التعليم والصحة في وطنها الجريح. والسودان ليس استثناءً من هذه القاعدة، بل هو أحوج ما يكون اليوم إلى طاقات أبنائه في الخارج.

الجاليات السودانية تمتلك ثلاثة عناصر قوة متكاملة:

1. القدرة الاقتصادية المتأتية من استقرارها في بيئات عمل متنوعة وغنية بالخبرات.

2. الرؤية الواسعة التي اكتسبتها من احتكاكها بثقافات وأنظمة متقدمة في الإدارة والتخطيط والتنمية.

3. الحنين العميق للوطن، وهو طاقة وجدانية يمكن تحويلها إلى فعل إنتاجي إن وجدت القيادة والرؤية الواضحة.

المرحلة الراهنة ليست مرحلة شعارات، بل مرحلة تناغم وتكامل بين الداخل والخارج. فالذين في الوطن يحتاجون إلى الدعم المادي والفكري من الجاليات، والذين في الخارج يحتاجون إلى شراكة مؤسسية تُمكّنهم من الإسهام المنظم في الإعمار. هذه ليست مسألة إحسان أو تبرع، بل واجب وطني واستثمار في المستقبل.

إنّ بناء السودان من جديد لن يكون بقرار سياسي منفرد، بل بتلاقٍ وطني عريض، تكون الجاليات فيه الذراع الخارجية للنهضة، والسفيرة الحقيقية لصورة السودان الجديدة: سودان السلام، والإنتاج، والكرامة.

ولن يتحقق ذلك إلا عبر:

إنشاء مجالس تنسيق للجاليات ترتبط مباشرة بمؤسسات الدولة والمجتمع المدني.

إطلاق صناديق استثمار وطني في الإعمار تُدار بشفافية وتُفتح فيها أبواب المساهمة لأبناء الوطن بالخارج.

إشراك الكفاءات السودانية بالخارج في رسم السياسات والخطط التنموية.

إنّ صوت الجالية اليوم ليس صوتاً بعيداً، بل هو صدى لصوت الوطن الباحث عن نفسه. وإذا ما توحد هذا الصوت مع الداخل في رؤية مشتركة، فسيُكتب للسودان ميلاد جديد لا تصنعه البنادق، بل تصنعه الأيادي المتكاتفة والعقول المتناغمة.

السودان لن يبنى فقط من ترابه بل من قلوب ابنائه فى كل مكان.

حفظكم الله ورعاكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *