منتصف الليل.. حين يتحدث القلب خارج التوقيت

IMG-20251005-WA0006

غيبوبة حب: رشا يحيى صالح

 

في منتصف الليل حين ينام العالم ويصحو الحنين تبدأ معركة صامتة بين القلب والعقل

في هذا الوقت تحديدًا تتكثف الذكريات وتتسلل المشاعر بخطوات خفيفة وكأنها لا تريد إيقاظ الألم لكنها تفعل

إنه الوقت الذي يقيس فيه البعض الحب بالدقائق والانتظار بالثواني والفقد بالسنوات

منتصف الليل ليس مجرد ساعة تمر بل هو حالة

فيه يصبح التفكير أكثر حدة والمشاعر أكثر صدقًا والوجع أكثر عمقًا

هو المساحة التي يختبئ فيها أصحاب الأقلام ليكتبوا ما يعجزون عن قوله في وضح النهار وليبوحوا بما لا يستطيعون مواجهته أمام الآخرين

يا لِهشاشة الشوق في هذا الوقت ! يشبه الفراق في عتمته ووحدته ومرارته كأن الليل نفسه يشارك القلب حزنه

لكن هل للقلب توقيت؟ وهل للمشاعر تاريخ صلاحية؟

في منتصف الليل يضيع الإحساس بالزمن فتصبح الدقيقة دهراً والساعة وجعاً لا ينتهي

هناك تتجسد الوحدة على هيئة ظلٍ يجلس إلى جوارنا يهمس بما نخشاه ويذكّرنا بما نحاول نسيانه

بعض القصص يا سيدي لا تتحمل الغياب

تشبه السفن التي تبحر بثقة وسط الغارات لكنها تضعف حين تهب الرياح على أشرعتها فتتغير وجهتها إلى مصائر لم تخترها

هكذا هي العلاقات التي تُترك للقدر وحده لا تموت فجأة بل تتآكل بصمت حتى تختفي ملامحها شيئًا فشيئًا

نحن لا نختار دائمًا مقاصدنا لكنها كثيرًا ما تتسيدنا عنوة

تسكننا كالشغف تسيطر علينا كعقارب الساعة التي لا تتوقف عن الدوران حول نفسها

تبحث عن لحظة ضائعة لا تعود

وفي دواخل الأحلام غايات صغيرة تتشبث بنواصي الأمل نبحث عنها في ظلمة الليل علّنا نعثر على (روحٍ تشبهنا)

روحٍ تطمئننا وتربت على جراحٍ لم تلتئم بعد

روحٍ تنتشلنا من الغرق في عوالم لم ننتمِ إليها يومًا

أحزنني عليك…

أحزنني أنك كنت ظنّي الجميل فخذلني الواقع.

ظننتك لي وحدي فكنت للجميع

ظننت أن الحكاية قدر فكانت تجربة

ظننت أن الحب خلود فاكتشفت أنه مرحلة بين وعدٍ ونسيان

كنت أراك استثنائيًا مختلفًا رجلاً غارقًا في التفاصيل النادرة

لكنك صرت عاديًا… عاديًا إلى حدٍ لا يُفاجئ

كل المدن التي حلمت أن تسكنك أغلقت أبوابها

كل الطرق التي كانت تؤدي إليك تغيّرت مع أول غياب

حتى الهواء الذي كان يدخل من شرفتك لم يعد يحرك الستائر منذ زمن بعيد

أصبحت كرجلٍ شرقيٍ عجوز يحتسي قهوته برتابةٍ لا تنتهي

ينتظر شيئًا لا يعرف متى غادره

ويظن أن الروتين نوع من الأمان

لكن الحقيقة أن من يعتاد الرتابة يفقد الدهشة ومن يفقد الدهشة يموت ببطء

نعم بعض الفراق لا يحتاج إلى إعلان وبعض الغياب لا يحتاج إلى تفسير

فالخذلان لا يُقال بل يُشعر

وفي منتصف الليل حيث تتجمع الخيبات على أطراف الوسادة

يبدو القلب أكثر وعيًا بما لا يريد وأكثر يقينًا بمن لا يستحق

لقد أدركت أن بعض النهايات ليست ختامًا بل بداية جديدة لفهم الذات

فالقلب حين يُكسر لا يموت بل يتعلم

يتعلم أن لا أحد يستحق البكاء طويلاً

وأن أجمل ما في الحب هو ما يتركه فينا من نضجٍ وصدقٍ وذكريات

في منتصف الليل لا نبحث عن حب جديد بل عن راحةٍ تشبه الطمأنينة

عن حديثٍ صادق لا يُقال إلا همسًا

وعن قلبٍ يشبهنا في هدوئه وقلقه في خوفه وحنينه

فيا أيها الليل كن رحيمًا بقلوبٍ أنهكها الانتظار

ويا أيها الحب تمهّل حين تمرّ

فليس كل قلبٍ مهيأ للاحتراق من جديد

 

 

 

 

صحوة حب

 

أيها القلب تمهّل ليس كل حبٍ ينفع

كم تهيم الدهرَ وجْدًا

دونما عُشبٍ ومرتع

أيها القلب رويدًا

عمّا قريبٍ ستشفع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *