انهيار

غيبوبة حب: رشا يحيى صالح
أي جُرحٍ هذا الذي غرسه حضورك في قلبي ثم مضيت؟
أيُّ ألمٍ هذا الذي تسلل خِلسةً إلى أعمق نقطة في روحي فصدّعها حتى أوشكت أن تنهار؟
لم أعد أفهم كيف اجتزت أسوار وحدتي وتوغلت في مدني الداخلية وعبثت بما ظننتُ أنه محصن ثم تركتني خرابًا
كنتُ قد بنيت جدران قلبي طوبةً طوبة وأحكمتُ إغلاقها جيدًا ظنًّا مني أن الوحدة مأمن وأن الصمت نجاة وأن العزلة وطن يشبهني… وكنتُ أشبهها
لكن حتى في تلك المساحات الآمنة كان الخوف يراقبني من زوايا الوقت…
الخوف لا يأتي فقط حين يشتدّ الليل وتغيب الشمس بل يأتي حين يخوننا من ظننّاه الأمان حين نفتقد ظلالنا التي كنا نظنها تتبعنا للأبد أو حين نفقد عزيزًا لا يعود
كنتُ أمشي في الطرقات أبحث في عيون المارة عن وطنٍ بديل… عن وجهٍ يطمئنني أو عن يدٍ تمتد لتلملم ما تبقى من ملامحي
لكنني في كل نظرة كنت أراك…
وأرى انهياري الذي بدأ بك وانتهى عندك
كان يُرعبني أن أتكلم عنك… لأنك لم تعرف يومًا مقدار الألم الذي سبّبته لي
لم ترَ جدار قلبي حين تشقّق ولم تسمع صوت دموعي وهي تنهمر في صمت ولم تلاحظ كيف شاخت ضفائري وهي تبكي وكيف بهَت لونُها من فرط الانتظار
أتدري يا سيدي؟
أصبحت أشبه كل شيء… إلا نفسي
تاهت معالمي وضاعت هويتي بين تجاعيد الشوق وتجاذب الخذلان ومرايا الانكسار
تمرّ سنوات عمري كعابرات سبيل تلوّح لي من نوافذ الضياع كأنها تقول لي (يا خسارة العمر الذي أفنيتِه في الانتظار … يا أسفك على من لم يُدرك قيمتك ولا حجم حضورك ولا عمق حبك)
لقد كنتَ أكبر من النسيان
وأعظم من أن أتركك
وأقوى من أن تقهرني الكلمة عليك
كنتَ…
أكبر من كل شيء
وكنتُ أنا…
لا شيء
فهل كنتَ تقصد رحيلي؟
أم كنتَ فقط تنتظر أن أنهار من تلقاء نفسي؟
أنا يا سيدي سمعت الوداع في كلماتك قبل أن تنطقه
سمعتُ الذئاب التي تعوي خلف أنفاسك تتوعدني بما بعد الفراق لكنني تجاهلتها وصدّقتك أنت
ظننتك الصدق… فخذلتني
وإن التقينا يومًا ولم تعرفني…
فاعلم أنني أقصد ذلك
سأصمت وسأمضي من أمامك كما لو لم أعرفك يومًا
لأن في الرحيل بصمت… كرامة
وفي الكتمان حياةٌ لما تبقى منّي
صحوة حب
في الحب لا ينهار القلب فجأة
بل يتساقط ببطء… مع كل تجاهل
مع كل خذلان
مع كل (أنا بخير) كذّبها البكاء في الليل
وفي النهاية حين لا يجد من يحتضنه… ينسحب.