بمناسبة ذكرى إستقلال السودان .. من تاريخ الحركة النسائية السودانية

ما قبل الاستقلال:
شاركت النساء السودانيات منذ أزمان موغلة في القِدم، بكافة أشكال مقاومة الاستبداد، ودونت كتب التاريخ القديم سِيَر الكنداكات السودانيات.
في التاريخ الحديث
كان لهن باع طويل في مقاومة الاحتلال الأجنبي، ففي الربع الأول من القرن التاسع عشر، اشتهرت (مهيرة بت عبود) بأشعارها التي حفزت المقاتلين السودانيين لمحاربة الاحتلال التركي-المصري، وتحديداً في معركة كورتي عام 1820م، وبجانب أشعار الحماسة، فقد شاركت مهيرة بنفسها في المعارك مع الجيش الذي تصدى للحملة التركية على السودان.
وفي مطلع القرن العشرين، برز اسم الأميرة مندي بنت السلطان عجبنا، التي قاتلت إلى جانب فرسان جبال النوبة، وساهمت في تنظيم صفوف الجيش في تلك المناطق بعدما أعدمت القوات الغازية والدها السلطان عجبنا، في العام 1917م.
وخلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت البلاد نشوء حركات التحرر الوطني، وبرز حينها إسم العازة محمد عبدالله، خلال ثورة 1924م، طليعة مقاومة الاحتلال.
وخلال تكوين الاتحادات والتنظيمات كأدوات لمقاومة الاحتلال الأجنبي، برزت وقتها الطبيبة خالدة زاهر التي كانت أول طبيبة سودانية مارست المهنة، وكانت أيضاً ناشطة سياسية مهتمة بقضية المرأة، مما أدى إلى اعتقالها عام 1946م من نظام الحكم البريطاني لمعارضتها الحكم الأجنبي. كانت خالدة أيضا إحدى مؤسسات الاتحاد النسائي السوداني الذي يعتبر أهم التنظيمات النسائية في تاريخ السودان الحديث.
نبعت فكرة الاتحاد، كمحاولة لتكوين نقابة تختص بقضية المرأة، وتوحيد الاتحادات التي كانت قد نشأت من نساء عاملات في بعض المهن، فتكونت أولاً “رابطة النساء الثقافية”، في الفترة بين 1946-1949م لكنها لم تستمر، ثم انعقد أول اجتماع تأسيسي للاتحاد النسائي في يناير 1952م ومن ثم تكونت اللجنة التمهيدية من خالدة زاهر، ونفيسة أحمد إبراهيم، وعزيزة مكي، وحاجة كاشف، وفاطمة أحمد إبراهيم، ونفيسة المليك، وفاطمة طالب. بعض الأسماء الإضافية لهذه اللجنة لم يتم توثيقها في ذلك الوقت، بحسب كتاب (شاهدة على مسيرة الاتحاد النسائي السوداني خلال نصف قرن من الزمان)، للكاتبة فاطمة القدال.
نال الاتحاد اهتماماً واسعاً بسبب عضويته التي تكونت من نساء فاعلات في الحياة العامة والمهنية وتطرقه لقضايا مهمة منذ التأسيس، حيث كانت أبرز القضايا التي تصدى لها الاتحاد في الفترة من 1952 – 1958م هي قضايا التعليم ومحو الأمية، وحق المرأة في العمل كمدخل للمساواة بين الجنسين. وسعى الاتحاد لتحسين أوضاع النساء في المعيشة والأجور، وكان يبث برامجَ توعوية عبر الإذاعة، وقدم مذكرات للمجالس المحلية تطالب بحقوق الطفل وصحة البيئة، واهتم الاتحاد كذلك، بمحاربة العادات والتقاليد الضارة، والتوعية بمخاطر ختان البنات، وسعى لتوعية النساء بهذه القضايا عبر مختلف الوسائل.
وكان لقائدات الاتحاد النسائي أدوار مهمة في لفت انتباه المجتمع لقضية المرأة منذ وقت مبكر، ففي عام 1949م قادت الطالبة -وقتها – فاطمة أحمد إبراهيم أول إضراب يتعلق بقضية المرأة في السودان، عندما كانت تدرس في ثانوية أمدرمان العليا، بعدما قررت مديرة المدرسة البريطانية استبدال جميع العلوم الطبيعية بالعلوم الأسرية بحجة أن السودانيات غير مؤهلات ذهنياً. نجح الإضراب وأثار جدلاً بسبب عدم ممارسة الإضراب وقتها – وتحديدا للنساء – كوسيلة ضغط مما أدى إلى تراجع المديرة عن قرارها.
ما بعد الاستقلال
أفرزت سياسة المناطق المقفولة التي انتهجها الاحتلال الأجنبي للتفريق بين أبناء البلاد، واقعاً متبايناً بين أجزاء الوطن الواحد من ناحية التنمية غير المتوازنة وتطور التعليم، وبالتالي بنية المجتمع المدني والتنظيمات الحديثة. لذلك تركز أغلب التوثيق حول نشاط المرأة السياسي (المنظم) في فترة ما بعد الاستقلال على دور النساء في المناطق الحضرية ومشاركتهن في الثورات السلمية.
مع إعلان استقلال السودان رسمياً في 1 يناير 1956م، سرعان ما واجهت الأحزاب السودانية تحديات في الاتفاق على صيغة توفيقية حول نظام الحكم والدستور، وفي ظل تفاقم التحديات حول نظام الحكم، استولى الفريق إبراهيم عبود على السلطة عبر انقلاب عسكري في 17 نوفمبر 1958م.
عدم الاتفاق على دستور دائم، بالإضافة لتردي الأحوال الاقتصادية، واشتداد وتيرة الصراعات السياسية بين الأحزاب، كل هذه العوامل اتخذها الجيش حجة للتدخل في العمل السياسي، وإقصاء الأحزاب من الحكم.
عقب انقلابه، حل نظام عبود العسكري (1958 – 1965م) جميع الأحزاب السياسية ومنع التجمعات والمواكب والتظاهرات فى جميع أنحاء البلاد، كان الاتحاد النسائي من ضمن تلك التنظيمات، لكنه واصل نشاطه بشكل سري عبر مواصلة إصدار مجلة (صوت المرأة)، بالتزامن مع محاولات للعمل العلني رغم قيود السلطة العسكرية.
دور النساء في ثورة أكتوبر 1964م
كان للنساء السودانيات مشاركات لافتة في مناهضة الحكم العسكري الأول، وقد لعب الاتحاد النسائي دوراً بارزاً في ثورة أكتوبر 1964م، فحشد القواعد النسائية للمشاركة في الاحتجاجات التي كانت تتقدمها رئيسة الاتحاد النسائي وقتها، المناضلة البارزة، فاطمة أحمد إبراهيم.
عقب انتصار الثورة، وسقوط نظام عبود، واستعادة المسار الدستوري، تحققت للنساء السودانيات الكثير من المكاسب، كان أهمها هو انتزاع حق النساء في التصويت والترشح للانتخابات، فقدمت نساء السودان، في أول انتخابات بعد ثورة أكتوبر، المناضلة فاطمة أحمد إبراهيم كأول برلمانية في السودان والشرق الأوسط.
ومن مقعدها في البرلمان، واصلت فاطمة نضالاتها في الدفاع عن حقوق المرأة، حيث نالت النساء السودانيات كثير من الحقوق التي كافحن من أجلها، ولكن لم يتحقق البعض الآخر.
بعض الحقوق التي تحققت:
حق الدخول في كل مجالات العمل، في حين كان عمل المرأة من قبل محصورا في التعليم والتمريض فقط. وتحقق ذلك، من خلال دخول المرأة السودانية غالبية ميادين العمل باستثناء تلك المجالات التي حرمتها الأمم المتحدة وقتها؛ وهي: القضاء والقضاء الشرعي والسلك الدبلوماسي.
الأجر المتساوي والمساواة في العلاوات والمكافآت والبدلات، وفي كل شروط العمل، وفي حق الترقي لأعلى الدرجات الوظيفية، وحق المعاش.
عطلة الولادة مدفوعة الأجر – حسب ما نصت عليه منظمة العمل الدولية.
إلغاء قانون المشاهرة، الذي يفرض على المرأة العاملة تقديم استقالتها بعد الزواج لتعمل بموجب عقد عمل مؤقت شهراً بشهر.
إدخال خريجات الثانوي والمعاهد العليا تحت بند الخدمة المستديمة أسوة بزملائهن.
بعض الحقوق التي لم تتحقق:
توفير دور الحضانة ورياض الأطفال لتسهيل مهمة الأم العاملة.
توفير الضمانات الاجتماعية لحماية الأسرة في حالة عجز أو موت رب الأسرة.
لكن، في الفترة بين عامي 1966-1969م، عاشت الحكومة الائتلافية حالة من الشقاقات والصراعات، نتج عنها تشكيل العديد من الحكومات، كلها فشلت في الاتفاق على كتابة دستور دائم، أو التعامل مع مشاكل الركود الاقتصادي والانقسامات السياسية والعرقية.
في خضم حمى تلك الصراعات السياسية، وارتفاع وتيرة الحرب الأهلية في جنوب السودان عقب فشل مؤتمر المائدة المستديرة، وطرد نواب الحزب الشيوعي المنتخبين من البرلمان، ومحاولة بعض الأحزاب فرض دستور إسلامي، انقلب الجيش على الحكومة المنتخبة في 25 مايو 1969م، بقيادة جعفر نميري.
ما بعد الحكم العسكري الثاني 1969م
حل نظام نميري البرلمان وحظر جميع الأحزاب السياسية مقيماً دولة الحزب الواحد – الاتحاد الاشتراكي السوداني – باعتباره الكيان السياسي القانوني الوحيد في البلاد، وحل الاتحاد النسائي، واستبدله بـ(اتحاد نساء السودان) الجناح النسائي للاتحاد الاشتراكي بقيادة فاطمة عبدالمحمود.
شدد نميري أدوات القمع والحد من حرية النشاط السياسي والاجتماعي، ووضع النقابات تحت سلطته. ومع بداية الثمانينات، ساءت الأحوال السياسية والأمنية والاقتصادية، واندلعت الحرب مرة أخرى فى جنوب السودان عام 1983م بشكل أكثر ضراوة، بعدما ألغى نميري اتفاق أديس أبابا للسلام، وإعلانه قوانين سبتمبر، وحالة الطوارئ، التي اندلعت على إثرها انتفاضة مارس-أبريل 1985م.
دور النساء في انتفاضة مارس-أبريل 1985م
في خضم تنامي المقاومة الشعبية السلمية لحكم نميري، بقيادة النقابات والاتحادات المهنية وبعض الأحزاب السياسية، التي مثلت النواة لانتفاضة مارس-أبريل 1985م، لعبت النساء السودانيات أدواراً مهمة في الانتفاضة، ساهم في ذلك تقدمهن في التعليم والعمل في مختلف المهن، مما أدى إلى زيادة نسبة مشاركتهن وانتظامهن تحت مظلة الأجسام النقابية والمهنية التي كانت السبب الرئيسي والأهم في نجاح الإضراب السياسي العام في ثورة ابريل التي أطاحت بنظام نميري العسكري.
في يونيو 1986م، شكل الصادق المهدي حكومة ائتلافية بين حزب الأمة، والحزب الاتحادي الديمقراطي، والجبهة الإسلامية الوطنية، وأربعة أحزاب جنوبية. ولكن اتسمت فترة حكم الصادق المهدي بعدم الاستقرار السياسي. وبعد ثلاث سنوات في 30 يونيو 1989م، انقلب الجيش بالتحالف مع الإسلاميين، على الحكومة المنتخبة، ليستمر حكمهم نحو 30 عاماً