رئيس الهيئة القيادية للحزب الاتحادي الديمقراطي في حوار مع “نون النسوة”

إشراقة سيد محمود - رئيس الهيئة القيادية للحزب الاتحادي الديمقراطي
في خضم المشهد السوداني المليء بالتعقيدات والأزمات السياسية التي ألقت بظلالها على مجمل الحياة، يظل الحزب الاتحادي الديمقراطي واحداً من أعرق الكيانات السياسية وأكثرها حضوراً في التاريخ الوطني. وفي إطار الوقوف على رؤى الحزب تجاه التطورات الراهنة، جلست صحيفتنا مع القيادية بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأستاذة إشراقة سيد محمود للحديث عن مواقف الحزب، قضايا الوحدة، ودور المرأة في العمل السياسي.
فإلى مضابط الحوار:
حاورتها: عادلة عادل
بالرغم من قساوة الحرب وما ترتب عليها من معاناة، كيف ترين المشهد السياسي الآن؟
بالرغم من الموت والدمار وفقد الأموال والنزوح واللجوء، إلا أن المشهد السياسي اليوم يعكس وحدة وطنية كبيرة جداً بين السودانيين من أجل الانتصار على هذا العدو الذي تسبب في دمار السودان. هناك وحدة غير مسبوقة بين الجيش والقوات المشتركة وقوات الكفاح المسلح، وكذلك بين الجيش والشعب السوداني. هذه الوحدة الوطنية يجب أن يتمسك بها الشعب السوداني لأنها مفتاح النصر في الفاشر، ودارفور، وكردفان، وبقية أجزاء السودان.
اين يقف الحزب الاتحادي الديموقراطي من الحرب الدائرة في البلاد؟
الحزب الاتحادي الديمقراطي يقف اليوم وقفة قوية جداً مع الجيش السوداني، وهو من أوائل الأحزاب التي ساندت القوات المسلحة دون تردد. ورغم أن الحزب يضم تيارات كثيرة، إلا أن جميع هذه التيارات توحدت في تنسيق كامل لدعم الجيش والانتصار في هذه الحرب. حتى الاجتماعات الآن تضم اتحاديين من مختلف التيارات يعملون معاً بروح وفاق، لأن الوقت ليس وقت اختلاف أو تنافس بل وقت وحدة وطنية.
الحزب الاتحادي الديمقراطي يقف بقوة مع الجيش في حرب الكرامة
برايك، هل ما زال للأحزاب التقليدية، ومنها الحزب الاتحادي، القدرة على التأثير وسط المتغيرات التى طرأت على المجتمع السوداني؟
نعم، ما زالت الأحزاب الكبيرة مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي تملك تأثيراً كبيراً في المجتمع. الخارطة السياسية اليوم لم تختلف كثيراً عن السابق، بينما فشلت بعض القوى الجديدة التي ظهرت بعد الثورة في فرض نفسها، إذ اعتمدت على نشاط سياسي محدود دون قاعدة جماهيرية حقيقية. الأحزاب الكبيرة مثل الاتحادي الديمقراطي تستند إلى إرث تاريخي وحضاري وخبرة وطنية، وهذا ما جعلها تدعم الجيش والشعب وتتبنى الموقف الصحيح في هذه الحرب، خلافاً لتلك الأحزاب التي ارتبطت بأجندات خارجية وأسهمت في تفكيك السودان.
الحزب الاتحادي عرف تاريخيا بالانقسامات، هل هنالك جهود حالية لتوحيد صفوفه ولم شتاته؟
الانقسامات ليست حكراً على الحزب الاتحادي الديمقراطي، بل أصابت كل القوى السياسية السودانية. الحزب الشيوعي تعرض لانقسامات، وكذلك الإسلاميون، وحزب الأمة، وحتى حزب البعث. هذه ظاهرة تحتاج إلى معالجة جذرية بعد الحرب، عبر توحيد الكيانات المتشابهة في أهدافها لتصبح كيانات كبيرة تتنافس في العملية الديمقراطية بشكل أوضح، بدلاً من تفتت المشهد بين عشرات أو مئات الأحزاب. شخصياً أسعى من خلال عملي في مجلس الأحزاب السياسية لتفعيل دوره ومعالجة هذه الإشكاليات، خاصة بعد انتهاء الحرب، استعداداً لبناء دولة مستقرة.
لا سلام دون تحرير كامل التراب السوداني من المليشيات
كيف تعملون على تمكين الشباب والنساء داخل الحزب واعطائهم فرصا حقيقية للقيادة؟
في حزبنا الاتحادي الديمقراطي لدينا سياسة واضحة لتعزيز دور الشباب والنساء. وجود الشباب والنساء داخل الحزب كبير وفاعل، إذ يشكلون قوة دافعة في المكاتب السياسية الولائية. في كل ولاية يوجد مكتب سياسي يتكون من 60 شخصًا، باستثناء ثلاث ولايات (جنوب دارفور، الجزيرة، والخرطوم) حيث يفوق العدد 60 نظرًا للكثافة السكانية. الشباب يشكلون حضورًا لافتًا وفاعلاً، والنساء أيضًا لهن وجود كبير؛ بل لدينا أمينة عامة للحزب في جنوب كردفان، فضلًا عن نساء يتولين مناصب قيادية عليا داخل المكاتب السياسية.
الأحزاب الكبيرة ما زالت الأكثر تأثيرًا رغم المتغيرات الجديدة
بصفتك قيادية وامراة سياسية، ما ابرز التحديات التى واجهتك في مسيرتك داخل الحزب وفي الساحة العامة؟
التحديات التي تواجه المرأة سياسيًا هي ذاتها التي تواجه النساء في كل الأحزاب، وأبرزها إثبات وجودها في مراكز اتخاذ القرار، لا كمجرد تابع. طوال عملي السياسي سعيت لأن تتبوأ المرأة مواقع قيادية تمكّنها من صناعة القرار، بل والحقائب السيادية أيضًا. التحديات كثيرة، منها المنافسة مع الرجال، لكنني شخصيًا اعتبر فوزي في دائرة جغرافية كأول امرأة يمثل انتصارًا تاريخيًا، إذ حصلت في دائرة عطبرة على أكثر من 10 آلاف صوت، وكان ذلك أكبر تحدٍ اجتزته في حياتي السياسية. خوض النساء للدوائر الجغرافية جنبًا إلى جنب مع الرجال يعزز فرصهن في الوصول لمواقع متقدمة في المجتمع.
كيف توفقين بين التزاماتك الحزبية والسياسية وبين حياتك الخاصة؟
التوفيق بين العمل الإداري والحياة الخاصة ليس سهلًا؛ فالالتزامات السياسية والحزبية غالبًا ما تكون على حساب الحياة الشخصية. هنالك تضحيات كبيرة تُقدم، لكن هذه طبيعة العمل العام. والتضحية في سبيل الناس والمجتمع هي ما يمنح الإنسان قيمة وتميزًا. أنظروا مثلًا لتضحيات المقاتلين في الجيش السوداني والقوات المشتركة، الذين تركوا أسرهم وأبناءهم فداءً للوطن، فمنهم من استشهد، ومنهم من فُقد أو أُسر. هذا يعكس أن العمل العام دائمًا مقرون بالتضحيات.
المجتمع الدولي متفرج على حصار الفاشر ومعاناة الأطفال
ما تقييمك لدور المجتمع الدولي والاقليمي في الأزمة السودانية الحالية؟
العدالة الدولية غائبة تمامًا. أصبح العالم محكومًا بالمال وتراكم رأس المال، وبمصالح الدول الكبرى وتجارة السلاح والمخدرات، فيما اختفت القيم التي تحكم البشرية. نرى ذلك جليًا في فلسطين وغزة، واليوم في السودان، حيث يقف المجتمع الدولي متفرجًا على حصار الفاشر، على الجوع وموت الأطفال والجرائم دون أن يحرك ساكنًا. هذا العالم تديره لوبيات دولية كبرى لها مصالحها الخاصة، ولا يهمها سوى من يدفع أكثر. لذلك علينا كسودانيين أن نعتمد على أنفسنا في الانتصار لشعبنا، وأن نتحد مع بقية الشعوب لنسعى نحو عالم أكثر عدلًا.
برأيك ما المطلوب اليوم لتحقيق سلام شامل ومستدام في السودان خاصة في دارفور والمناطق المتأثرة بالحرب؟
لتحقيق السلام في دارفور، لا بد أولًا من تحقيق النصر العسكري وتحرير كل شبر من أرض السودان، وصولًا إلى حدود الجنينة. التحرير العسكري شرط أساسي قبل الدخول في مرحلة السلام والبناء. لا يوجد حل وسط مع المليشيات؛ فهي ستظل أداة مرتهنة للإرادة الاستعمارية الخارجية، ولن يكون هناك تعايش معها. الحل الوحيد هو مقاومتها ودحرها.
الصمود الأسطوري لنساء الفاشر يمثل أيقونة للتاريخ السوداني
ما الرسالة التي تودين توجيهها للمرأة السودانية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد؟
أوجه تحية خاصة للمرأة السودانية على صمودها العظيم في هذه الحرب، وبالأخص نساء الفاشر اللواتي قدمن تجربة استثنائية في حمل السلاح والصمود جنبًا إلى جنب مع الرجال. التحية والمجد للشهيدات بدءًا من الشهيدة هنادي وكل شهيدات السودان. لقد عانت المرأة السودانية النزوح واللجوء وفقد الأحبة، لكنها ظلت شامخة. أقول لهن: مزيدًا من الصبر والقوة، حتى يتحقق السلام وتعود النساء إلى بيوتهن، ويُفتحن الأبواب والنوافذ، وتُمسح الدموع، ونحقق معًا أمانينا.